
الأرشفة في المؤسسات: ركيزة أساسية لإدارة فعالة ومطابقة للقانون
مقدمة
إن أرشفة الوثائق ليست مجرد مهمة إدارية بسيطة، بل هي ركيزة أساسية من ركائز إدارة الشركات، تضمن تتبع الأنشطة، حماية المعلومات، وقبل كل شيء، الامتثال للمتطلبات القانونية.
بالنسبة لمديري الشركات الصغيرة والمتوسطة، والمسؤولين الإداريين أو الماليين، ورواد الأعمال، فإن فهم مبادئ الأرشفة أمر ضروري للتعامل بثقة مع البيئة التنظيمية المعقدة الحالية.
يهدف هذا المقال إلى توضيح الالتزامات القانونية، وأفضل الممارسات، والأساليب التي تمكّن من اعتماد نظام أرشفة فعّال ومتوافق مع القوانين.
أولًا: ما المقصود بالأرشفة في المؤسسات؟
الأرشفة في المؤسسات هي مجموعة من العمليات التي تهدف إلى تنظيم وتصنيف وحفظ، ثم في بعض الحالات، إتلاف الوثائق التي تُنتَج أو تُستَقبل خلال نشاط المؤسسة.
ولا تقتصر الأرشفة على حفظ الأوراق داخل الصناديق، بل تشمل أيضًا إدارة الوثائق الرقمية، التي أصبحت اليوم تشكل جزءًا كبيرًا من المعاملات الإدارية.
الهدف الأساسي من الأرشفة مزدوج: ضمان توفر المعلومات عند الحاجة التشغيلية، وإثبات الامتثال للالتزامات القانونية والتنظيمية.
وتُقسم الأرشيفات عادة إلى ثلاثة أنواع:
الأرشيف الجاري: الوثائق المستخدمة يوميًا في سير العمل
الأرشيف الوسيط: الوثائق التي لم تعد تُستخدم بانتظام، ولكن يجب الاحتفاظ بها لأسباب قانونية أو مالية أو تاريخية
الأرشيف الدائم: الوثائق ذات القيمة الدائمة، التي تُحفظ بشكل نهائي
ثانيًا: ما الوثائق التي يجب على المؤسسة حفظها؟
تقريبًا كل الوثائق المرتبطة بنشاط المؤسسة قابلة للأرشفة، ومن بينها
الوثائق المحاسبية والمالية: الفواتير، الكشوف البنكية، الدفاتر، الميزانيات، الحسابات الختامية، والمستندات الداعمة
الوثائق الجبائية: التصريحات الضريبية، ضريبة القيمة المضافة، الضرائب على الشركات، الملفات الضريبية
الوثائق الاجتماعية والوظيفية: عقود العمل، كشوف الرواتب، التصريحات الأولية للتوظيف، سجلات الموظفين، ملفات المرض أو إنهاء الخدمة.
الوثائق التجارية: العقود مع الزبائن أو الموردين، أوامر الشراء والتسليم، العروض التجارية، المراسلات
الوثائق القانونية: النظام الأساسي للشركة، محاضر الاجتماعات العامة، العقود العقارية، الرخص والامتيازات
الوثائق التقنية: المخططات، براءات الاختراع، ملفات الإنتاج
الوثائق المتعلقة بالملكية الفكرية: العلامات التجارية، النماذج المسجلة
تكمن أهمية الأرشفة في أن هذه الوثائق قد تُطلب خلال المراجعات الضريبية أو التفتيشات الإدارية أو القضايا القانونية، وغيابها قد يعرض الشركة للعقوبات.
ثالثًا: مدة الاحتفاظ بالوثائق داخل المؤسسة
تختلف المدد القانونية للاحتفاظ بالوثائق حسب نوعها والغرض منها. وفيما يلي أهم الفترات القانونية المعمول بها وفقًا لمصادر الخدمة العامة الفرنسية (Service Public) — مع الإشارة إلى أنها تمثل الحد الأدنى الذي يمكن أن يتغير حسب الظروف أو التطورات التشريعية:
| نوع الوثيقة | 
مدة الاحتفاظ الدنيا | 
المرجع القانوني | 
| العقود التجارية (زبائن/موردين) | 
5 سنوات | 
المادة L110-4 من قانون التجارة | 
| أوامر الشراء والتسليم | 
5 سنوات | 
قانون التجارة | 
| الفواتير (شراء/بيع) | 
10 سنوات | 
المادة L123-22 من قانون التجارة | 
| الدفاتر والمستندات المحاسبية | 
10 سنوات | 
قانون التجارة | 
| التصريحات الضريبية (TVA، IS...) | 
6 سنوات | 
الكتاب الضريبي للإجراءات | 
| الكشوف البنكية والشيكات | 
5 سنوات | 
قانون التجارة | 
| كشوف الرواتب | 
مدى الحياة | 
قانون العمل | 
| عقود العمل والملحقات | 
5 سنوات بعد مغادرة الموظف | 
قانون العمل | 
| سجل الموظفين | 
5 سنوات بعد آخر موظف | 
قانون العمل | 
| وثائق الضمان الاجتماعي | 
3 سنوات | 
قانون الضمان الاجتماعي | 
| النظام الأساسي ومحاضر الاجتماعات | 
دائم | 
قانون التجارة | 
| وثائق الملكية الفكرية | 
5 سنوات بعد انتهاء الحماية | 
قانون الملكية الفكرية | 
| الوثائق العقارية | 
10 سنوات بعد انتهاء العقد | 
القانون المدني | 
| وثائق التأمين | 
سنتان بعد نهاية العقد | 
قانون التأمينات | 
رابعًا: الالتزامات القانونية في مجال الأرشفة
تستند الالتزامات القانونية الخاصة بالأرشفة إلى عدة قوانين
قانون التجارة: يفرض الاحتفاظ بالوثائق المحاسبية والتجارية لفترات محددة
القانون العام للضرائب: يحدد المدد الخاصة بالوثائق الضريبية
قانون العمل: ينظم حفظ الوثائق المتعلقة بالموظفين
قانون الضمان الاجتماعي: يحدد طرق الاحتفاظ بالوثائق الاجتماعية
اللائحة العامة لحماية البيانات (RGPD): تنص على عدم الاحتفاظ بالبيانات الشخصية بعد انتهاء الغرض من استخدامها، وتفرض سياسة دقيقة في إدارة دورة حياة الوثائق
عدم احترام هذه الالتزامات يمكن أن يؤدي إلى عقوبات مالية أو إدارية، أو إلى خسائر قانونية في حال النزاعات القضائية
خامسًا: مراحل الأرشفة الفعالة للوثائق
لضمان أرشفة ناجحة، يجب اتباع منهجية دقيقة تشمل ما يلي
الجرد والتصنيف:
تحديد أنواع الوثائق الموجودة
تصنيفها وفق فئات (محاسبية، تجارية، موارد بشرية...)
وضع خطة تصنيف واضحة وسهلة الفهم
تحديد قواعد الحفظ:
تحديد مدة الاحتفاظ القانونية لكل نوع من الوثائق
تحديد دورة حياة الوثيقة (إنشاء، استخدام، حفظ، إتلاف)
اختيار وسيلة التخزين:
الأرشفة الورقية: حفظ الوثائق في صناديق وأرفف مخصصة في أماكن آمنة وجافة
الأرشفة الرقمية: استخدام أنظمة إدارة إلكترونية للوثائق (GED) مع توقيع إلكتروني وتوثيق زمني لضمان مصداقية النسخ الرقمية
الفهرسة والتنظيم:
إعطاء رمز أو رقم لكل وثيقة
إضافة كلمات مفتاحية لتسهيل عملية البحث
الأمان والتحكم في الوصول:
تأمين الوثائق ضد السرقة أو التلف أو الاختراق.
وضع مستويات مختلفة من الصلاحيات للوصول إلى الملفات.
إجراء نسخ احتياطية دورية للوثائق الرقمية.
إتلاف الوثائق المنتهية الصلاحية:
بعد انتهاء المدة القانونية، تُتلف الوثائق بطريقة آمنة (التمزيق للورق، والحذف الدائم للنسخ الرقمية)
يفرض الـRGPD حذف البيانات الشخصية غير الضروري
سادسًا: مخاطر الأرشفة غير السليمة
إهمال الأرشفة أو سوء تنظيمها قد يؤدي إلى:
عقوبات مالية أو قانونية أثناء المراجعات أو التفتيش
فقدان الأدلة في حال النزاعات
صعوبة الوصول إلى المعلومات الحيوية
تراجع صورة المؤسسة أمام الشركاء والعملاء
تسرب بيانات حساسة بسبب ضعف الحماية
سابعًا: الأدوات والخدمات المتخصصة في الأرشفة
هناك العديد من الحلول المتاحة للشركات، منها:
أنظمة إدارة الوثائق الإلكترونية (GED): لتخزين وتنظيم الوثائق الرقمية وتأمينها وإدارتها وفق دورة حياة محددة
الخزائن الرقمية: لحفظ الوثائق الإلكترونية ذات القيمة القانونية مع ضمان التوقيع الزمني والأمان
شركات الأرشفة الخارجية: تقدم خدمات تخزين الوثائق الورقية في مواقع مؤمنة، مع النقل، الفهرسة، والحفاظ على درجة الحرارة والرطوبة المثالية
الاستشاريون المتخصصون في إدارة الوثائق: لمساعدة المؤسسات في إعداد سياسات أرشفة فعّالة وتدريب فرق العمل.
خاتمة
تشكل الأرشفة في المؤسسات عنصرًا جوهريًا من عناصر الحوكمة الرشيدة وضمان استدامة الأنشطة.
إن الالتزام بالضوابط القانونية، واعتماد الممارسات الحديثة، واستخدام الأدوات التقنية المناسبة، يمكّن الشركات من تحويل الأرشفة من عبء إداري إلى رافعة استراتيجية للأمان القانوني والكفاءة التشغيلية.